في ليلةٍ شتويّةٍ ماطرة لم يعكّر على الليل صفوَ هدوئه سوى إيقاع قطرات المطر وهي تُقبّل الأرض بخفةٍ ورشاقة ، يُنافسها صوت أنفاسها المتقطعة مخترقًا كل هدوء، تركض بفزعٍ واضطراب تتعثر ببضع حصوات فتهوي على الأرض، تناثرت الأوراق والكتب من حولها لتنهض مخضبةً بالطين ومزمجرةً بغضب : " آه تبًا. كان أبي وحده الذي يعترض طريقي ولكن يبدو بأن كل شيءٍ بات يحذو حذوه، حتى الحصى. "
نفَضَت ملابسها ولملمت كتبها المبللة بملل وأكملت المُضيّ .
وصلت أخيرًا إلى وجهتها دخلت وهي تنادي " جدتي جدتي .. أين صندوقُكِ الخشبي أريد أن أستعيره "
اتجهت إلى الباب الأسود الصغير فانزلق ببطء مصدرًا ذاك الأنين البائس الذي يستفزُّ غضبها لتنزل السلالم بسرعةٍ فائقة إلى القبو. أخذت تفتش بين أكوام الخردة المغطّاة بالغبار وهي تسعل غارقةً في الأفكار التي تأخذها يمنةً ويسرة، لابد أن تعود إلى البيت قبل أن يفتقدها والدها، لو وجدها هنا ربما لن يتركها إلّا جثةً هامدة .
قطعت حبل أفكارها بسرعة ووضعت كل شيء في الصندوق. نظرت لوهلة إلى آخر كتاب وضعته وهو يعتلي أقرانه "مادة الرياضيات للصف السادس الابتدائي" تنهدت بأسى.
أقفلت الصندوق بإحكام ثم أعادته إلى مكانه، تمامًا هناك بين الخردة والغبار .
حدثت نفسها " هذا هو المكان الذي أستطيعُ أن آمن عليكِ فيه .. سأعود .. لابد أن أعود قريبًا "
خرجت من القبو على إثر صوت جدتها وهي تقول : "أسرعي يا نورة أمك تقول العريس في الطريق ، بدك تتأخري على عقد قرانك"
تمتمت بابتسامةٍ ساخرة : " هه عقد قراني ! " .. أغلقت الباب وعادت أدراجها ، تجرّ أقدامها بخطى متثاقلة وهي تفكر بعريسها الستينيّ الذي سيأتي ليأخذها لعشِّ الزوجية، لم يقطع عليها حبل أفكارها هذه المرة سوى طيفُ المدرسة الذي لاح لها في الأفق، فابتسمت بمرارة وامتزجت دموعها بقطرات المطر .
Shahd.F